red مدير المنتدى
عدد المساهمات : 219 نقاط : 55658 تقيم العضو : 0 تاريخ التسجيل : 18/10/2009 العمر : 39
| موضوع: عقبات في طريق الدعوة إلى الله الخميس أبريل 22, 2010 6:26 pm | |
| السلام عليكم ورحمة الله الاستاد عدنان عبد الله زُهار إن من أهم العقبات التي تقف حجر عثة أمام الدعاة إلى الله وأخطرها:
الإخلاص
الدعوةُ إلى الله من أجل أعمال البر والإحسان، وأشرف ما يتقرب به المؤمن للرحيم الرحمان، يرجو الصادق بسلوك طريقها فضلَ الله وثوابَه، وينوي بها نصرة الدين وإعلاءَه، فلا يكون لمطامع النفس فيها نصيب، ولا يبتغي بها مدحا أو ثناء بعيد ولا قريب. من صدق في التشرف إليها وسلوك مهيعها صدقه الله، ومَن رامها لدنيا يصيبه منها خاصمه مولاه، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أول من يسأل يوم القيامة ثلاثة: رجل آتاه الله العلم فيقول الله تعالى: ما صنعت فيما علمت؟ فيقول : يا رب كنت أقوم آناء الليل وأطراف النهار. فيقول الله تعالى: كذبت، وتقول الملائكة كذبت بل أردت أن يقال فلان عالم ألا فقد قيل ذلك. ورجل آتاه الله مالا فيقول الله تعالى: لقد أنعمت عليك فماذا صنعت؟ فيقول: يا رب كنت أتصدق به آناء الليل وأطراف النهار، فيقول الله تعالى: كذبت؛ وتقول الملائكة: كذبت بل أردت أن يقال فلان جواد ألا فقد قيل ذلك. ورجل قتل في سبيل الله تعالى فيقول الله تعالى: ماذا صنعت؟ فيقول: يا رب أمرت بالجهاد فقاتلت حتى قتلت. فيقول الله: كذبت؛ وتقول الملائكة: كذبت بل أردت أن يقال فلان شجاع ألا فقد قيل ذلك.« قال أبو هريرة: ثم خبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخذي وقال: «يا أبا هريرة، أولئك أول خلق تسعر نار جهنم بهم يوم القيامة«. فيا ليت شعري متى يستشعر أهل الدعوة إلى الله عظمة المسؤولية وثقل السؤال، وخطر الوظيفة في الحال والمآل؟ ألا وإن تجديد نية الإخلاص في وراثة بساط النبوة، من المهمات في حياة الدعاة، إن كان لهم بُدٌّ، وإلا فلا أقل من اعتزال يشتري به راحة البال، وخفة السؤال.
فالإخلاص عمود الدين، ولب لباب أعمال المحسنين، وبدونه الأعمال مردودة، وبانعدامه كل القربات في الميزان معدومة، فسلك الشيطان في التشويش كلَّ المسالك، وأوقع أهل الهوى في المهالك، فرجوعا إلى طبِّ القرآن العظيم، وصيدلية نبي رؤوف رحيم حليم، وإلى مرهم أهل الله الأخيار، وأصفيائه الأطهار، فتسقى القلوب المريضة بماء الصدق، وتغذى من آنية الحق، ويعرف كلٌّ قدره، ولا يتعدى أحدٌ طوره، فترجع الأمور إلى نصابها، وتعود الدعوة حكرا على أصحابها، فلا يتسور أبناء الدنيا جدرانها، وليعظموا بعدُ في أنفسهم أمرها...
قال اللّه تعالى (وَمَا أُمِرُوا إلاّ لِيَعْبُدُوا اللّه مُخْلِصينَ لَهُ الدّينَ) [البينة:5] وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ« رواه الترمذي في "سننه"، وقال: «إنما الأعمال بالنيّات، ولكل امرئ ما نوى« متفق عليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لا يقبل اللّه تعالى قولاً إلاّ بعمل ولا قولاً وعملاً إلاً بنية« أخرجه ابن حبان في "الضعفاء"، وقال عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه: "أفضل الأعمال أداء ما افترض اللّه تعالى والورع عمّا حرم اللّه تعالى وصدق النية فيما عند اللّه عزّ رجلّ". والداعي إلى الله أولى بالاهتمام بأمر قلبه، ومعاهدته بسقيه بماء إخلاصه، لأنه يظهر أنه لله، ويوهم الخلق أنه مخبر عن الإله، فيغتر الناس بحاله، ويأتسون بأقواله وأفعاله، وهو في كل ذلك منعدم النية والإخلاص، فليس له يوم القيامة من الله خلاص، فقد رُويِ عن صالحي السلف، وقدوة من بعدهم من الخلف، المأمور اقتفاء آثارهم والممدوح اتباع أخلاقهم، ما يكشف عن حقيقة صدقهم، في دعوتهم ونهيهم، من ذلك ما رُوِي عن أبي سليمان الداراني رحمه الله تعالى أنه قال: "سمعت من بعض الخلفاء كلاماً فأردت أن أُنكِر عليه وعلمت أني أُقتل، ولم يمنعني القتل، ولكن كان في ملأ من الناس فخشيت أن يعتريني التزيُّن للخلق فأقتل من غير إخلاص في الفعل".
[إخلاص الخواص]
وهذه إشارات لحقيقة الصدق في الأعمال، وتعريفات أهل الشأن لمقتضياته في الأحوال والأقوال، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إنما يعطى الرجل على قدر نيته" وعن الأستاذ أبي القاسم القشيري رحمه الله تعالى قال: "الإخلاص إفراد الحق في الطاعة بالقصد" قال النووي في "التبيان": وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شئ آخر من تصنع لمخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس أو محبة أو مدح من الخلق أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى" قال: ويصح أن يقال: "الإخلاص تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين".
وعن حذيفة المرعشي رحمه الله تعالى: "الإخلاص استواء أفعال العبد في الظاهر والباطن"، وعن ذي النون رحمه الله تعالى قال: "ثلاث من علامات الإخلاص: استواء المدح والذم من العامة، ونسيان رؤية العمل في الأعمال ، واقتضاء ثواب الأعمال في الآخرة".
وعن الفضيل بن عياض رضي الله عنه قال: "ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل لأجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما".
وعن سهل التستري رحمه الله تعالى قال: "نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا: أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى وحده لا يمازجه شئ لا نفس ولا هوى ولا دنيا وعن السري رضي الله عنه قال لا تعمل للناس شيئا ولا تترك لهم شيئا ولا تغط لهم شيئا ولا تكشف لهم شيئا".
وعن القشيري قال: "أفضل الصدق استواء الصدق والعلانية".
وعن الحارث المحاسبي رحمه الله تعالى قال: "الصادق هو الذي لا يبالي ولو خرج عن كل قدر له في قلوب الخلائق من أجل صلاح قلبه ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله ولا يكره اطلاع الناس على السيئ من عمله، فإن كراهته لذلك دليل على أنه يحب الزيادة عندهم وليس هذا من أخلاق الصديقين".
فليقِس أهل الدعوة إلى الله أعمالهم بهذه المقاييس الدقيقة وليزنوا أعمالهم بهاتيكم الموازين المستقيمة، يعرفوا قدر الإخلاص في ما هم عليه، ففرحا وسرورا، أو حزنا ونفورا، فسؤالٌ اللهَ الثبات، أو توبة وإنابة إلى الممات.
[الدعوة للإخلاص خلاص للدعاة]
وها أنا ذا أجلي لكل محب للنصح، ما يتعرف به طريق الصلح، ولتختل بكلامي في كهف الصدق، معتزلا عجب النفس تر الحق بالحق: وهاكَ كأسَ النُصْحِ فاشرَبْ وجُدْ=====بفَضْلَةِ الكأسِ على مَنْ عطِشْ
فبراءة ذمة العلماء والدعاة، تصفية الباطن وتطهير النواة، والتبري من مشوشات القلوب، وتجنب الملوثات والعيوب، ولا يمكن ذلك إلا بمعرفة البلاء، وما ينغص صفاء الإخلاص في قلوب ورثة الأنبياء، فدونك بعض أوصافها، وطرق الشيطان في تزيينها، ومسالكه في الإغواء بها:
• أولا: سلوك طريق الدعوة من غير جِد، والبروز في ميدانها بدون إذن، تَشَهَّى أناس الحديث في الدين، وظنوا أنه سهل على العاميِّين، والواقع أنه عظيم عظيم، فرَّ منه خيار الأمة، وتركه عظماء الملة، خوفا من الغلط على الله والرسول، وتهيبا لوراثةٍ ليس لهم عليها حصول. لكن، تزاحم عليها في هذا الزمان، من ليسوا من أهل الشان، وتعرض لها أهل الأغراض، وغفلوا عما يأتيهم من قبل الله من إعراض، فتكلم السوقة في مجالس العلماء، وتحدثوا بحديث الكبراء، ولم يعبؤوا بما يالو إليه عبثهم، ويحصده الناس من سوء زرعهم؛ وكل ذلك دليل عدم الصدق في سلوك الطريق، وترك لنهج السلف في الإخلاص الحقيق. فحقيق بهم أن يتوبوا، وإلى الله الكريم ينوبوا ويؤوبوا، ويعرفوا قدر أنفسهم، ويعترفوا بحقارة مقامهم، ويعطوا القوس باريها، ويسكنوا الديار ثانيها؛ وليس بعيب رجوعهم إلى رشدهم، بل العار ملازمة حمقهم وجنونهم...فلا لغة العرب أتقنوا وحرروا، ولا كتاب الله حفظوا واستظهروا، ولا أسانيد الحديث رووا، ولا متونها درَوا، بل ما شافهوا عالما فقيها، ولا جالسوا عارفا وجيها، ولا أدب الدين جمعوا، ولا في علومه برعوا، ولا سمتَ َأهل العلم كسبوا، ولا من أحوالهم الخُلق اكتسبوا، ولا، تعقُبها في حقهم ألف لا ولا، ومع ذلك حلموا بمقامات أهل العلا، ومَن تكلم في غير فنه، أتى بما يسخر منه لحمقه، وعليه فنصيحتي لهؤلاء الأصناف، من الدعاة الأنصاف، لزوم بيوتهم، ووضع لأَماتهم، ولعل الله يكتب لهم من الأجور، مثل ما يرابط له أهل الثغور، ويتصدق به أهل الدثور،، فالعبرة بالصدق في النيات، والإخلاص في أعمال البر والحسنات.
• ثانيا: حب الثناء من الناس، مما يوقع القلوب في الريبة والالتباس، وحب الدعاة لمدح الخلق، حجاب عن ثبوت الصدق، ومانع من رؤية العمل خالصا للحق، قال شمس الدين في "مدارج السالكين": "فما ضعف من ضعف وتأخر من تأخر إلا بحبه للحياة والبقاء وثناء الناس عليه ونفرته من ذمهم له فإذا زهد في هذين الشيئين تأخرت عنه العوارض كلها وانغمس حينئذ في العساكر." كما قال رحمه الله في "الجواب الكافي": "فسبحان الله كم من قلب منكوس وصاحبه لا يشعر، وقلب ممسوخ وقلب مخسوف به، وكم من مفتون بثناء الناس عليه ومغرور بستر الله عليه ومستدرج بنعم الله عليه؛ وكل هذه عقوبات وإهانة ويظن الجاهل أنها كرامة".اهـ
واسمع حقيقة الإخلاص في كلام السلف تعرف حقيتك به: قال الربيع بن خثيم لبعضِ أصحابِه: "لا يغرنَّك كثرةُ ثناءِ الناسِ من نفسِكَ فإنه خالصٌ إليك عملُك".
وقال مالك بن دينار: "منذُ عرفتُ الناسَ لم أفرحْ بمِدْحتِهم ولا أكرهُ مَذَمَّتَهم، قيلَ: ولِمَ ذلك؟ قالَ: لأنَّ مادحَهم مفَرِّطٌ وذامَّهم مفْرِطٌ". وقال مطرف: "ما مدحني أحد قط إلا تصاغرت عليَّ نفسي".
قال إبراهيم بن أدهم: بلغني أن عمر بن عبد العزيز قال لخالد بن صفوان: عظني وأوجز، فقال خالد: يا أمير المؤمنين إن أقواماً غرَّهم سترُ الله عز وجل، وفتنَهم حسنُ الثناء، فلا يغلبنَّ جهلُ غيرِك بك علمَك بنفسك، أعاذنا الله وإياك أن نكون بالستر مغرورين، وبثناء الناس مسرورين، وعن ما افترض الله متخلفين مقصّرين، وإلى الأهواء مائلين؛ قال: فبكى ثم قال: أعاذنا الله وإياك من اتباع الهوى."
وعندي أن حب الثناء من الخلائق، موقع أهل الدعوة في المزالق، فيصير همه كلام القوم، ويخاف على نفسه من كل لوم، ولا يعبأ بما يصلح في دينهم، ولا ما يخلصهم به من شياطينهم، بقدر ما يكون القصد منهم الرضا، غير مبال بما يأتي وما مضى.
ويا أهل الدعوة إلى الله والتبليغ عن رسول الله، انظروا ما الباعث لكم على اعتلاء المنابر، وابحثوا عن الدافع لغمس الأقلام في المحابر، آللهَ تريدون، أم ثناء المادحين ترومون، وعتاب الخلق تجتنبون؟ فمن أرضى الناس بسخط الله وكله الله إليهم، ومن أرضاه بسخطهم كفاه الحق جمعهم، إن قومي تجمعوا===وبحديثي تحدثوا لا أبالي بجمعهم===كل جمع مؤنث
ثالثا: هلك من هلك، من رام عرض الدنيا بما سلك، قوم ادعوا المشيخة طمعا في تعمير هذه الدار، وأقوام تقلنسوا لأجل الدرهم والدينار، وغيرهم بالعلم استرزقوا، وبما يدرهم عليهم من فانيها وتعلقوا، ألم يعلموا ويقرؤوا: قلت للفقر أين أنت مقيم===قال لي في عمام الفقهاء إن بيني وبينهم لإخـــــــــاء===وعزيز علي ترك الإخاء
ألم يسمعوا ويعوا: إن الفقيه هو الفقير وإنما===راء الفقيرُ تجمعت أطرافها
لا تخافوا الفقر معاشر الدَّاعين، بل شرف أهل العلم في الرضا برب العالمين، بيد أن الظاهر خلاف ما كان عليه الأكبار، تنافس علماء الزمان ودعاته على الدنيا، وتناطحوا من أجل حطامها، وتعادوا لأجل رفاثها، فأين ذلك من الإخلاص؟؟؟
| |
|